النص التشعبي رقم (1): تعليم الفتاة (من رواية رجوع إلى الطفولة)


 

نص الانطلاق:                               

تعليم الفتاة

وانتهى الصيف، وبدأنا نستعد لدخول المدرسة، فجاءت خالة أمي وقالت لها: صحيح أنك تنوين إدخال البنتين إلى المدرسة؟

-        قالت أمي: أجل

-        وهل جننت؟ ومن سيشتري لك الكنانيش والأقلام؟

-        الوطنيون يا خالتي، إنهم يتكلفون بنا، ويرسلون لنا مصروفنا كل شهر.

-        أدخليهما دار المعلمة ودعيك من المدرسة.

-        لو عليَّ لفعلت ولكن أباهما يقول لي كلما زرته: البنتان أمانة في عنقك، أدخليهما المدرسة.

-        بقي في إسرافه، ثم ذهب لحاله إلى السجن. والآن جاء يقول المدرسة؟ ماذا ستدرس البنت؟ قولي لي ولماذا؟ أليس مصيرها الزواج؟ من يسمعك يظن أنهما ستدرسان لك "الدمياطي".

-        السلطان يا خالتي، سيدي محمد بن يوسف، أمر الوطنيين بإدخال بناتهم إلى المدارس، والسي أحمد كما قلت لك يقول لي "أدخليهما المدرسة" وأنا لا أستطيع أن أعصي أمره.

-        رجلك مجنون وأنت أجنُّ منه، ذنبك على جنبك، "قال له وريه وريه وإلى عمى سير وخليه".

بعد ذلك، بعدما جاء الاستقلال وعُيِّن والدنا في مناصب حكومية بدأ يقول لنا:" لن أترك لكُنَّ فيلات ولا أراضي، لن أترك لكُنَّ سوى تعليمكن" ولم يكن يتساهل في ذلك أو يقبل منا إلا أعلى الدرجات.

ودخلنا أنا ونعيمة مدرسة البنات؛ تقع بين السور والنهر، صفوفها في واجهة أمامها ساحة طويلة ضيقة، يحدها سياج شوكي. وفي الضفة الأخرى ظهور بيوت بنوافد مقوسة وعتيقة ذات زجاج عراقي وشبابيك متشابكة.

دخلنا القسم التحضيري معا، جنبا إلى جنب، ووقفت المعلمة الفرنسية في عباءة صوفية سوداء، وبشعر أشقر قصير، وبدأت تكتب على السبورة. كتبت [أ] فقلت [أ] وكتبت [ب] فقلت [ب] فأشارت إليَّ وقالت: "تعالي إلى هنا!"  ذهبت ووقفت بجانبها ونحن نًولي ظَهْرَينا للصف،

وكتبت [س] وقالت وهذا قلت [س]. ثم ركبت كلمات قرأتها لها هي تركب وأنا أقرأ فأمسكتني من يدي وذهبت بي إلى صف البنات الكبار وقالت لي: "هذا صفك من الآن".

بقيت هناك وأنا أشعر بالأهمية. كان نصف ذلك الصف ابتدائيا أولا ونصفه الثاني ابتدائيا ثانيا والمعلمة واحدة. وما أن دق جرس الاستراحة حتى انطلقت نحو صف الصغيرات بحثا عن أختي؛ وجدتها تبكي والبنات يحدقن بها، ورأتني فبدأت تقول:" ألم تذبحك النصرانية؟"

-        فقلت لها: "لقد أخذتني إلى صف الكبيرات".

-        فقالت عندما خرجت بك قالت لي البنت التي تجلس خلفي :"لقد ذهبت بها لتذبحها".

وهكذا بدأنا نمشي وحنا إلى المدرسة في أمان الله، تعرفت على صديقات كثر : فطومة وهنية ... كنا نتبادل الزيارة في العطل، ونقتسم طعامنا في نزهة المدرسة أيام الأربعاء

 

ليلى أبو زيد، رجوع إلى الطفولة ، شركة المدارس للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، ط 8، 2007، صص67 وما بعدها(بتصرف)

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال