نص تشعبي رقم (5): الزعراء والنسر من رواية المباءة.

 



الزعراء والنسر 

كانت زوجة أحد أصدقاء والدنا، رجل يعمل في محطة البنزين الواقعة في المدخل الشمالي لبني ملال، قد استدعتنا أنا وأختي للغذاء. وقد كانت لوالدنا علاقات كثيرة من هذا النوع. كان يخالط السياسيين والأعيان والحكام، ويخالط في نفس الوقت السوقة والصعاليك ويعتبر النوعين معا مصدرين أساسيين لثقافته الفكرية والفطرية. وإذن استدعتنا زوجة ذلك الرجل فذهبنا ووجدنا عندها امرأة كهلة، وجيهة بشعر مقصوص وملابس أوروبية.

وعندما رجعنا إلى المدرسة جاءتني المشرفة تقول إن هناك امرأة جاءت لزيارتي. ذهبت إلى غرفة الاستقبال فوجدت تلك المرأة. جاءت كل تلك المسافة بهدية في علبة صغيرة بداخلها ياقوتة في سلسلة من ذهب. وعندما زارنا أبي وأريتها له غضب وقال:

-             هاتيها سأردها لها .

ثم بدأت أسمع تلك الحكاية مقرونة باسم معروف في بني ملال لامرأة سيئة السمعة في ذلك الوقت، بدأت الأمور تتدهور في أسرتنا . أصبحنا ذات يوم فوجدنا أهلنا قد رحلوا إلى الرباط، ولكنني، على عكس أختي بقيت في القسم الداخلي. وبدأت كلما خرجت في نهاية الأسبوع أجد أمي تشتكي، حتى رجعت يوما فلم أجد والدي. تغيرت حكومة «اليسار » وذهب إلى الدار البيضاء وتركنا في الرباط.

وبدأت أمي تقول:

-             ذهب إلى المرأة السيئة السمعة.

فغادرتُ القسمَ الداخلي وتركنا بيت الدولة وسكنا شقةً صغيرة تشبه الشقة التي كنا نسكنها في الدار البيضاء. بقينا سنوات نمشي إلى المدرسة الثانوية وأبونا يرسل لنا مصروفنا مع سائق «التحرير»، الذي كان يصل في جوف الليل عندما يأتي بالجريدة إلى الرباط، إلى أن أمسك أبونا مع مسيري وأعضاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في تهمة مؤامرة 1963.      قال خالي الأصغر:

-             سأذهب إليه وأخيره بين تلك المرأة وبيننا. سأقول له: «لقد أصبحت تلوكنا الألسن.» أقول له: «نكون في باب السجن ويخرجون بملابسك المتسخة ويسلمونها لها هي. وفي باب المحكمة نحن هنا وهي هناك ومعها أخوك.»

وذهب وعاد يتوارى. قلنا :

-             إيوا ؟

قال:

-             قلت له: « لا نزورك إن بقيت هي تزورك. »

-             وماذا قال؟

-             «لا تزوروني.»

أسقط في يدنا وكَفَفْنا عن زيارته فبدأت المقيمات عندنا يرجعن في المساء ويقلن:

-             إنه يبحث عنكن بعينيه في المقاعد.

فتكسر عزمنا ورجعنا نقف داخل الحواجز وعندما ترك السجن مرّ بنا في طريقه إلى الدار البيضاء. بعد ذلك، في أوائل السبعينات، عندما فك قيده الآخر وانحل ارتباطه بتلك المرأة، بدأ يزورنا وبدأت أدخل معه في نقاشات حامية، في السياسة دائما، أومئ فيها إلى أن سلوكه وسلوك بعض صحبه الشخصي زعزع ثقتي في الحزب فتقف أمي في باب الغرفة، تقول وهي تلوح بيدها:

-             بركة! سيحسب الناس أنكما تتشاجران.

فيقول لها:

-             خلينا هاذ الشي راه مزيان.

 

ليلى أبو زيد، رجوع إلى الطفولة ، شركة المدارس للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، ط 8، 2007، صص: 136 وما بعدها (بتصرف)


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال